فصل: تفسير الآيات (56- 61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (54- 55):

{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55)}
قوله عز وجل: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} أقبلوا وارجعوا إليه بالطاعة، {وَأَسْلِمُوا لَهُ} أخلصوا له التوحيد، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}.
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} يعني: القرآن، والقرآن كله حسن، ومعنى الآية ما قاله الحسن: التزموا طاعته واجتنبوا معصيته، فإن القرآن ذكر القبيح لتجتنبه، وذكر الأدون لئلا ترغب فيه، وذكر الأحسن لتؤثره. قال السدي: الأحسن ما أمر الله به في الكتاب، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}.

.تفسير الآيات (56- 61):

{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)}
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} يعني: لئلا تقول نفس، كقوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [النحل- 15] أي: لئلا تميد بكم، قال المبرد: أي بادروا واحذروا أن تقول نفس. وقال الزجاج: خوف أن تصيروا إلى حال تقولون هذا القول، {يَا حَسْرَتَا} يا ندامتا، والتحسر الاغتمام على ما فات، وأراد: يا حسرتي، على الإضافة، لكن العرب تحول ياء الكناية ألفًا في الاستغاثة، فتقول: يا حسرتا ويا ندامتا، وربما ألحقوا بها الياء بعد الألف ليدل على الإضافة، وكذلك قرأ أبو جعفر {يا حسرتاي}، وقيل: معنى قوله: {يا حسرتا} يا أيتها الحسرة هذا وقتك، {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} قال الحسن: قصرت في طاعة الله. وقال مجاهد: في أمر الله. وقال سعيد بن جبير: في حق الله. وقيل: ضيعت في ذات الله. وقيل: معناه قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضاء الله. والعرب تسمي الجنب جانبًا {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} المستهزئين بدين الله وكتابه ورسوله والمؤمنين قال قتادة: لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعته.
{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ} عيانًا، {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} رجعة إلى الدنيا، {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الموحدين.
ثم يقال لهذا القائل: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} يعني: القرآن، {فَكَذَّبْتَ بِهَا} وقلت إنها ليست من الله، {وَاسْتَكْبَرْتَ} تكبرت عن الإيمان بها، {وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ} فزعموا أن له ولدًا وشريكًا، {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} عن الإيمان.
{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر: {بمفازاتهم} بالألف على الجمع أي: بالطرق التي تؤديهم إلى الفوز والنجاة، وقرأ الآخرون: {بمفازتهم} على الواحد لأن المفازة بمعنى الفوز، أي: ينجيهم بفوزهم من النار بأعمالهم الحسنة، قال المبرد: المفازة مفعلة من الفوز، والجمع حسن كالسعادة والسعادات {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ} لا يصيبهم المكروه، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

.تفسير الآيات (62- 67):

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}
{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي: الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها. {له مقاليد السموات والأرض} مفاتيح خزائن السموات والأرض واحدها مقلاد، مثل مفتاح، ومقليد مثل منديل ومناديل. وقال قتادة ومقاتل: مفاتيح السموات والأرض بالرزق والرحمة. وقال الكلبي: خزائن المطر وخزائن النبات. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
قوله عز وجل: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}؟ قال مقاتل: وذلك أن كفار قريش دعوه إلى دين آبائه. قرأ أهل الشام {تأمرونني} بنونين خفيفتين على الأصل، وقرأ أهل المدينة بنون واحدة خفيفة على الحذف، وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة على الإدغام.
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الذي عملته قبل الشرك وهذا خطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد منه غيره. وقيل: هذا أدب من الله عز وجل لنبيه وتهديد لغيره، لأن الله تعالى عصمه من الشرك. {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} لإنعامه عليك.
قوله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره، ثم أخبر عن عظمته فقال: {وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم، حدثنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة}.
ورواه مسلم بن الحجاج عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن فضيل بن عياض عن منصور، وقال: والجبال والشجر على إصبع، وقال: ثم يهزهن هزًا، فيقول: أنا الملك أنا الله.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرني الحسين بن فنجويه، حدثنا عمر بن الخطاب، حدثنا عبد الله بن الفضل، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن عمر بن حمزة، عن سالم بن عبد الله، أخبرني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون»، هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني، حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، حدثنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس عن الزهري، حدثني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض».

.تفسير الآية رقم (68):

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)}
قوله عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ} ماتوا من الفزع وهي النفخة الأولى، {إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} اختلفوا في الذين استثناهم الله عز وجل، وقد ذكرناهم في سورة النمل، قال الحسن: إلا من شاء الله يعني الله وحده، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ} أي: في الصور، {أُخْرَى} أي: مرة أخرى، {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} من قبورهم ينتظرون أمر الله فيهم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين النفختين أربعون» قالوا: أربعون يومًا؟ قال: «أبيت»، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: «أبيت»، قالوا: أربعون سنة؟ قال: «أبيت»، قال: «ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد، وهو عجب الذنب ومنه يتركب الخلق يوم القيامة».

.تفسير الآيات (69- 71):

{وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)}
قوله عز وجل: {وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ} أضاءت، {بِنُورِ رَبِّهَا} بنور خالقها، وذلك حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين خلقه، فما يتضارون في نوره كما لا يتضارون في الشمس في اليوم الصحو. وقال الحسن والسدي: بعدل ربها، وأراد بالأرض عرصات القيامة، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} أي: كتاب الأعمال، {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} قال ابن عباس: يعني الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال عطاء: يعني الحفظة، يدل عليه قوله تعالى: {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} [ق- 21] {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي: بالعدل، {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} أي: لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم.
{وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} أي: ثواب ما عملت، {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} قال عطاء: يريد أني عالم بأفعالهم لا أحتاج إلى كاتب ولا إلى شاهد.
{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ} سوقًا عنيفًا، {زُمَرًا} أفواجًا بعضها على إثر بعض، كل أمة على حدة قال أبو عبيدة والأخفش: {زمرًا} أي: جماعات في تفرقة، واحدتها زمرة {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} السبعة وكانت مغلقة قبل ذلك، قرأ أهل الكوفة {فتحت}، {وفتحت} بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد على التكثير {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} توبيخًا وتقريعًا لهم، {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} من أنفسكم {يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ} وجبت، {كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} وهو قوله عز وجل: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [هود- 119].

.تفسير الآيات (72- 73):

{قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)}
{قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} قال الكوفيون: هذه الواو زائدة حتى تكون جوابًا لقوله: {حتى إذا جاءوها} كما في سوق الكفار، وهذا كما قال الله تعالى: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء} [الأنبياء- 48] أي: ضياء والواو زائدة.
وقيل: الواو واو الحال، مجازه: وقد فتحت أبوابها، فأدخل الواو لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم، وحذفها في الآية الأولى لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم.
فإذا لم تجعل الواو زائدة في قوله: {وفتحت} اختلفوا في جواب قوله: {وقال لهم خزنتها} والواو فيه ملغاة تقديره: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها. وقال الزجاج: القول عندي أن الجواب محذوف، تقديره: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} دخلوها، فحذف دخلوها لدلالة الكلام عليه.
{وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} يريد أن خزنة الجنة يسلمون عليهم ويقولون: طبتم. قال ابن عباس: طاب لكم المقام. قال قتادة: هم إذا قطعوا النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض حتى إذا هذبوا وطيبوا أدخلوا الجنة، فقال لهم رضوان وأصحابه: {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}.
وروي عن عليّ عليه السلام قال: سيقوا إلى الجنة فإذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيغتسل المؤمن من إحداهما فيطهر ظاهره، ويشرب من الأخرى فيطهر باطنه، وتلقيهم الملائكة على أبواب الجنة يقولون: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}.

.تفسير الآيات (74- 75):

{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ} أي: أرض الجنة. وهو قوله عز وجل: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء- 105] {نَتَبَوَّأُ} ننزل، {مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} قال الله تعالى: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ثواب المطيعين.
{وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} أي: محدقين محيطين بالعرش، مطيفين بحوافيه أي: بجوانبه، {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} قيل: هذا تسبيح تلذذ لا تسبيح تعبد، لأن التكليف يزول في ذلك اليوم {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي: قضي بين أهل الجنة والنار بالعدل، {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يقول أهل الجنة: شكرًا لله، حين تم وعد الله لهم.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا فمر بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات، فقال: عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب منه وأعجب، فقيل له: إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن، وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل الـ حم في القرآن.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو محمد الرومي، حدثنا أبو العباس السراج، حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن الجراح بن أبي الجراح حدثه عن ابن عباس قال: لكل شيء لباب ولباب والقرآن الحواميم. وقال ابن مسعود: إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن. وقال سعد بن إبراهيم: كن- آل حم- يسمين العرائس.